المصارف تبدأ مسار الادعاء على الدولة والمركزي: الخطة “تطيّر” ما تبقى من القطاع

موريس متى – النهار

لم تثمر الاجتماعات بين وفد جمعية المصارف ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي وفريقه الاقتصادي اي نتائج إيجابية ملموسة في ما يتعلق بموضوع خطة التعافي وملاحظات الجمعية حول الاجراءات التي تطاول المصارف واموال المودعين، كما لم تلقَ الجمعية اي اصداء إيجابية حيال مضمون الكتاب الذي رفعته الى ميقاتي ويشرح بدقّة المخاطر الناجمة عن خطة التعافي.

يعمل الفريق الاقتصادي الوزاري والاستشاري برئاسة نائب رئيس الحكومة سعادة الشامي على وضع اللمسات الأخيرة على خطة التعافي التي تشكل اساسا لموافقة المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي على برنامج تمويل للبنان بقيمة 3 مليارات دولار لمدة 46 شهراً، بالتوازي مع إقرار مجلس النواب حزمة مشاريع قوانين يشترطها الصندوق، لا سيما قانون “الكابيتال كونترول” ومشروع قانون تعديل مواد أساسية في قانون السرية المصرفية وقانون موازنة العام 2022. في خطة الحكومة ان الدولة غير “مليئة”، وهناك خلط بين الملاءة والسيولة، ويتوجب على المصارف وبنسبة كبيرة على المودعين، تَحمّل الخسائر بصرف النظر عن المسؤوليات. فموجودات الدولة تغطي أضعاف الخسارة بكاملها إذا ما أُحسن استثمارها في صندوق إستثماري بطريقة مجدية تساهم في إعادة تكوين الودائع وتغطية الخسائر على مراحل من دون تحميلها بشكل كامل للمودعين. كما تتضمن هذه الموجودات، فضلاً عن الأصول، الحقوق التي يمكن أن تمنحها الدولة للقطاع الخاص أو عن طريق مشاركته مع القطاع العام في استثمار المرافق العامة.

ترى المصارف ان مضمون الاتفاق مع صندوق النقد، والذي عادت الحكومة وأوردت بنوده في خطة التعافي، مُخطِئ من ناحيَتَيْن: من الأساس الذي انطلق منه، أو من حيث النتيجة التي وصل إليها، في حين يعتبر الصندوق أن اقتراحه بتحميل الخسائر للمصارف هو توزيع غير عادل ويقترح تحميل قسم كبير من هذه الخسائر للمودعين، أي أنه يجري إعفاء المدين الممثَّل بالدولة ومصرف لبنان من الدين والخسائر، ليحمّلها الصندوق للدائن، أي القطاع المصرفي والمودعين. وفي هذا السياق، تؤكد مصادر مواكبة للمفاوضات مع صندوق النقد ان من ابرز شروط الأخير لإبرام اي اتفاق تمويلي هو عدم تحميل الدولة اي خسائر، بل إيجاد الآلية المناسبة لتوزيع الخسائر على القطاع المالي والعمل على حماية صغار المودعين، والاهم للصندوق عدم ترحيل اي خسائر، ما يعني تضرورة “تصفير” الخسائر قبل الحصول على اي تمويل جديد.

ووفقاً للكتاب المقدم من جمعية المصارف، فإنّ إمكانات الدولة كبيرة جداً، وانّ الجمعية مُستعدّة لتقديم تصوّر دقيق عن كيفية إنشاء صندوق لاستثمار هذه الموجودات مع المحافظة على ملكيّتها للدولة، وعلى كيفيّة تخصيص عائدات هذا الصندوق لتغطية الخسائر والتعويض على المُودعين بشكل كامل، وإنْ تدريجاً. رفضت المصارف خطة التعافي الحكومية الآيلة الى تحميل المصارف والمودعين الخسارة الشبه الكاملة التي نتجت عن السياسات التي اعتمدتها الدولة بحكوماتها المتعاقبة ومصرف لبنان، وتصف الجمعية هذه الخطة بالكارثية والمخالفة للدستور اللبناني ولسائر القواعد القانونية المرعية الاجراء، جملة وتفصيلا. وكلّفت الجمعية مستشاريها القانونيين دراسة مروحة الاجراءات القضائية الممكنة حيث يؤكد عدد من إدارات المصارف ان الخطة المقترحة وفي حال إقرارها “سترتب دعاوى قضائية ستَرفعها المصارف والمُساهمون والمودعون ضد الدولة ومصرف لبنان اللذين استفادا من أموال المصارف والمودعين، وهما يمتنعان عن إيجاد حلول مرضيّة لها”. وبالفعل، قررت الجمعية إقامة دعوى قضائية ضدّ الدولة وضدّ المصرف المركزي في هذا السياق حيث تعتبر المصارف ان الدولة تتنصل من مسؤولياتها في تراكم الدين العام ومن تحييد مصرف لبنان عن التزامات سد الفجوة في ميزانيته وتحميل الجزء الأكبر من الخسائر المحققة بقيمة تصل الى 60 مليار دولار لتوظيفات المصارف لدى مصرف لبنان ولأرصدة المودعين. وعلمت “النهار” ان الجمعية كلفت فريقها القانوني وضع تصور لمسار الدعاوى التي سيصار الى رفعها ضد الدولة ومصرف لبنان على ان ترفع أمام القضاء اللبناني وأمام المحاكم في الخارج. كما علمت “النهار” ان دعاوى فردية ستقوم بها إدارات بعض المصارف ايضا على الدولة ومصرف لبنان لاتهام الدولة باعفاء نفسها من خسائر بقيمة 60 مليار دولار نتجت عن السّياسات الّتي اعتمدتها الدّولة بحكوماتها المتعاقبة ومصرف لبنان وتحميلها للمصارف والمودعين.

يضع رئيس لجنة حماية حقوق المودعين في نقابة المحامين المحامي كريم ضاهر ملاحظات على أبرز ما ورد في مذكرة حكومة الرئيس ميقاتي بشأن السياسات الإقتصادية والمالية، والتي تشكل العناوين العريضة لخطة التعافي التي تسعى الحكومة لإقرارها. وبحسب ضاهر، يعترف واضعو هذه المذكرة بفشل ومسؤولية السياسات المالية والإقتصادية والنقدية التي تم انتهاجها خلال العقود الماضية، ومنها ما يدلّ على مخالفات فاضحة للقوانين المرعية وربما الإحتيال الموصوف، وبمسؤولية مَن بدد المال العام هدراً وسرقةً وفساداً وتحميل وزر الخسائر للمودعين الذين لم يتم ضمان إلا ما يعادل 100 ألف دولار من ودائعهم. إلا أنه رغم ضخامة وفظاعة ما تقدم، لم يتم في المقابل إقتراح أية آلية لتحديد المسؤوليات والبدء بمحاسبة المسؤولين عن هذا الإفلاس الإحتيالي غير المسبوق رغم توافر القوانين لذلك. من هنا يذكّر ضاهر بمبدأين أساسيين يشكلان قاعدة ومدخلاً لأي خطة وأي قانون “كابيتال كونترول”: “عدم توصيف الفجوة بخسائر بل بديون مترتبة لأصحابها ويقتضي ضمانها من قِبل الدولة بعد التمييز بين ما هو مشروع من ودائع وما هو غير مشروع، وذلك خلافاً لما يتم تسويقه من توصيف وتمييز بين “مودع صغير” و”مودع كبير” وعدم جواز توزيع أية خسائر على الشكل المطروح قبل تحديد المسؤوليات ووضع مسار جدي للمحاسبة والمباشرة بتنفيذه”.

وأضاف: “لقد رُبطت الخطة باستراتجية وتغييرات تشريعية تمهيدية ضرورية متلازمة ذكرت منها إقرار قانون طارئ لإعادة هيكلة المصارف وموافقة مجلس النواب على قانون الكابيتال كونترول والتغييرات التي طاولت قانون سرية المصارف وجعلته يتوافق مع المعايير الدولية. إلا أن الحماسة التشريعية في الفترة القصيرة المتبقية من ولاية المجلس تنصبّ فقط على الكابيتال كونترول مما يثير الشك والريبة ويدفع إلى التشديد والتشدد بالمطالبة برزمة القوانين والتدابير الملازمة كشرط لدرس وإقرار مشروع القانون العتيد العالق في اللجان المشتركة”. كما يستغرب ضاهر ما تضمنته المذكرة من خطط ونيات واضحة للتخفيف عن المصارف مما يبرئ ذمتها من أية مسؤولية سابقة أو حاضرة أو لاحقة، “وهذا مرفوض لأن المحاسبة والمحاكمة وتحديد المسؤوليات هي من أركان وأساسات أي خطة تعاف موضوعية وجدية”.

وتقترح خطة الحكومة شطب جزء كبير من الدين عن طريق تدابير منها تجريد المساهمين والدائنين من غير المودعين، أي حاملي الأسهم التفضيلية وسندات المديونيات الثانوية أو المرؤوسة من حقوقهم، اضافة الى حذف جزء من الودائع أو تحويلها إلى حصص ملكية في رأسمال مصارف أو تحويل جزء منها إلى الليرة اللبنانية من دون ضمانة الدولة أو تحمّلها اي عبء. فالخطة تقترح الحدّ من أي مسار يتسبب باللجوء إلى الموارد العامة وإن كان ذلك من خلال إستثمار الأصول بصورة فعّالة وضمن معايير حوكمة رشيدة وشفافة ونزيهة، من دون أن يعني ذلك التفريط بها أو التخلي عنها أو رهنها على حساب المواطنين. ويحذر ضاهر من ان “إجراء الهيركات يُعتبر مخالفة فاضحةً لأحكام الفقرة (و) من مقدمة الدستور لجهة كفالة الملكية الخاصة، كما المادة 15 منه التي تنص على أن “الملكية في حمى القانون فلا يجوز أن يُنزع عن أحد ملكه إلا لأسباب المنفعة العامة في الأحوال المنصوص عليها في القانون وبعد تعويضه منه تعويضاً عادلاً”؛ مما يستتبع من جهة، إلزامية الحصول على أكثرية تصويت كافية لتعديل الدستور؛ ومن جهة ثانية، يُعرض القانون للإبطال أمام المجلس الدستوري في حال لم يصر إلى التعديل العادل المحكى عنه. أما بالنسبة لحماية المودع بحدود تصل إلى 100 الف دولار فلم يصر إلى إعطاء أي توضيحات أو تطمينات بهذا الخصوص أو تحديد مدة زمنية منطقية لذلك، وما إذا كان سوف يراعى معيارا الثقة والعدالة كأن يكون مثلاً الإقتطاع و/أو التسديد بنسبة موحدة على كل الشطور، أو بنسب تصاعدية وفقاً لحجم الودائع كما لمعيار ونسبة حجم الأرباح المحققة سابقاً.

لقد فات الحكومة أنه بمجرد حصر حماية المودعين، ومنهم من تصفهم “بالصغير”، في حدود تصل إلى مئة ألف دولار، تكون قد شرّعت التعرض لحقوقه الأساسية الأخرى المؤتمن عليها من خلال مختلف الصناديق الضامنة.

Leave A Reply